فلاسفة عرب


مفهوم الفلاسفة إشكالي. كذلك هي التصنيفات التي يندرجوا تحتها. المثير للانتباه أن أهم معاجم الفلسفة الغربية لا تقدم تعريفا للفيلسوف، على عكس المعاجم العربية. صليبا (1994) يقدم ثمان معان للفيلسوف منها أن "الفيلسوف هو الذي يتعاطى الفلسفة، او العالم بالفلسفة"، وهو "الذي يؤمن بقيمة العقل، ويحاول التقيد به في علمه وعمله ..."، وهو " العالم الذي يبحث عن الأسباب القصوى والمبادىء الأولى للأشياء، او المفكر الذي يتفنّن في تفسير الحوادث تفسيرا عقليا، فيكون لفظ الفيلسوف بهذا المعنى صفة تطلق على صاحب الرأي أو المذهب". أما المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية (1983) يرجع لفظ الفيلسوف إلى أصله اليوناني ''محب الحكمة'' ليعرفه بعد ذلك اصطلاحا أنه "المشتغل بالفلسفة ، وبوجه خاص من يعنى بالبحث عن علل الأشياء وأسبابها الأولى".

من الفلاسفة من يروا ضرورة التعلم الفلسفي لاستحقاق لقب الفيلسوف. وهو ليس طرحا حديثا، فابن رشد (1997) أكد في "فصل المقال" على لزوم الآلات المناسبة للعمل الفلسفي – كإتقان القياس العقلي، والمُعلم الذي يُرشد إلى فهم ما في الفلسفة، وذكاء الفطرة، وحسن ترتيب النظر، وعدم غلبة الشهوة–: "فإنه كما أن الفقيه يستنبط [من الأمر] بالتفقُّه في الأحكام وجوب معرفة المقاييس الفقهية على أنواعها، وما منها قياس وما منها ليس بقياس، كذلك يجب على العارف أن يستنبط من الأمر بالنظر في الموجودات وجوب معرفة القياس العقلي وأنواعه، بل هو أحرى بذلك." لكن رغم رأي ابن رشد (الذي يُعتقد أنه كان نقدا موجها للغزالي) ومن وافقه، تم الاعتراف بالكثير ممن يملكوا كل تلك الآلات كفلاسفة ومنهم الغزالي نفسه (أنظر أي معجم فلسفي شامل) لتقديمهم رؤى مبتكرة لهذا العالم، وفي هذا نصرة لقول دولوز "إن الفلسفة بتدقيق كبير هي الحقل المعرفي القائم على إبداع المفاهيم."

رغم أهمية ما سبق في الدلالة على الفيلسوف، إلا أن هذه التعاريف والضرورات فضفاضة لا تسعفنا في فرز الفلاسفة الذين يستحقون الإشهار عن غيرهم من المشتغلين بالفلسفة ومدرسيها والمفكرين والمثقفين من غير الفلاسفة. لذا اقترح تعريف النوع المرجو من الفلاسفة بـ "مفكر ابدع رأيا أو مذهبا عقليا لفهم العالم أو جزء منه أو علاقة تخصه أو عملية فيه". ومن الفلاسفة كالمخترعين والعلماء والمبدعين من يقدم ما يفيد مجتمعه أو زمنه ومنهم من تُغني فائدة عمله أزمنة ومجتمعات عدة، ومنهم من يؤثر قليلا في المسار الإنساني، ومنهم من يكون مَعلما فارقا في تاريخ الحضارة الإنسانية.

أما ما شاع في الأكاديميا من تصنيفات يندرج تحتها الفلاسفة فهي الحقبة التاريخية، والأمة التي ينتمي إليها الفيلسوف (أو الحضارة التي انتجته)، أو الموضوع الفلسفي الذي ابدع به، أو المدرسة التي ينتمي لها. فنرى المُصنِّف يُدرج أهم الفلاسفة لكل تصنيف أورده، وبهذه الطريقة قد يورد بعض فلاسفة مدرسة ما ليست على قدر من الأهمية جانبا إلى جنب مدرسة كان لها أشد الأثر في الفكر الإنساني.

فلاسفتنا العرب عادة ما يصنفوا تحت مسمى الفلاسفة المسلمين نسبة للحقبة العباسية والأموية-الأندلسية أو العرب (تصنيف معجم كامبريدج) وهما تصنيفان مجحفان برأيي لعدة أسباب. أولا: لأنه يحصر الفكر العربي في أهم ما ورد بتلك الحقبات ولا يورد ما أنتجه العرب خارج مناطقهم الجغرافية، ولأنه يخلط الانتاج الفكري المبني على الفلسفات الإغريقية بتلك التي تلتزم أنطولوجياً أو إبستيمياً بالمبادىء الإسلامية وإن تأثرت بالمنطق الصوري ووظفته وغيره لتطوير فلسفتها المميزة التي أثرت بالفلسفة الغربية، ولأنه يستثني من فلاسفة تلك الحضارة من هم ليسوا مسلمين (كفلاسفة اهل الذمة، فنراهم يصنفون القديس يوحنا الدمشقي ابن وزيرا في الدولة الأموية كفيلسوف إغريقي، وفلاسفة الأندلس العرب اليهود الذين كتبوا في العربية وتأثروا بفكر الغزالي، وحفظوا فكر ابن رشد على أنهم فلاسفة يهود-إسبان) ويستثني بعض غير العرب الذين انتموا لتلك الحضارة.

أما تصنيف العرب لفلاسفتهم فليس أفضل حالا، وقد يكون أحد أسباب تراجعهم في مجال الفلسفة. فغالبا ما نرى تصنيف الفلاسفة العرب المعاصرين حسب موقفهم الفلسفي (أو بالأحرى الأيديولوجي) أو حسب ما يسمى مشروعهم الفلسفي النهضوي (الأيديولوجي أيضا). التصنيف الأول يفرز الفلاسفة العرب بين يساري، وإسلامي، ومادي أو علماني بغض النظر عما ابدعه هؤلاء المشتغلين بالفلسفة للمدرسة التي ينتموا إليها، عند إعادة تصنيف هؤلاء الفلاسفة حسب الموضوع الفلسفي الأكاديمي السابق الذكر، يتبين أن إنتاجهم يدخل ضمن نطاق ضيق جدا من مواضيع الفلسفة كالتراث الفلسفي، وأن الكلمة المفتاحية "إصلاح محلي" قد تشمل معظم تلك الأعمال التي لا نقلل من أهميتها المرحلية والمناطقية. وبذلك نخلص أن أغلب ابداع فلاسفتنا المصنفين غير مهم أو مؤثر في المجال العالمي مما يفسر ندرة الإشارة إليهم في المعاجم العالمية.

  • تاليا أسماء الفلاسفة العرب حسب التصنيف الدارج من مصدرين مهمين:

- اتبع الرابط لما ورد في موقع فلاسفة عرب

- من موسوعة الفلسفة العربية المعاصرة (2014):

فلسفات نقدية وفكر المنفى

إدوارد سعيد

هشام شرابي

محمد أركون

نصر حامد أبو زيد

عودة الدين إلى الفلسفة

مالك بن نبي

محمد باقر الصدر

طه عبد الرحمن

الحداثة وما بعد الحداثة في الفكر العربي

عبدالله القصيمي

أدونيس

عبدالله الغذامي

فتحي المسكيني

علي حرب

حسام الألوسي

عبدالله إبراهيم

عبد العزيز العيادي

أحمد عبد الحليم عطية


الإصلاح والليبرالية وأسئلة العلمانية

خير الدين التونسي

الطهطاوي

شبلي شميّل

الطاهر الحداد

الطاهر بن عاشور

عبد الرحمن بدوي

محمد عزيز الحباني

مدني صالح

علي حسين الوردي

زكي نجيب محمود


الفكر في زمن الأيديولوجيات القومية والماركسية

ناصيف نصّار

حسن حنفي

عبدالله العروي

محمد عابد الجابري

فتحي التريكي

عبد الوهاب المسيري

عصمت سيف الدولة

سمير أمين

برهان غليون

  • تاليا أسماء الفلاسفة "العرب" الذين وردوا في معجم كمبريدج للفلسفة (2015) سواءا كمدخل أو إشارة:

أولا: فلاسفة عرب "مسلمين" أوردوا كمدخل-

ترجمة مختصرة لتعريف معجم كمبريدج

(800م - 870م)

(854م - 925م أو 932م). طبيب وكيميائي وفيلسوف فارسي.

(870م تركستان - 950م). فيلسوف إسلامي

(980م قرب بخارى - 1037م). طبيب وفيلسوف إسلامي

(1058م خورستان - 1111م). رجل دين وفيلسوف إسلامي وصوفي.

توفي عام 1139م. فيلسوف اسلامي اسباني.

(1126م - 1198م). طبيب وقاض وفيلسوف إسلامي.

توفي عام 1186م. فيلسوف اسلامي اسباني.


(1332م - 1406م). مؤرخ وباحث وسياسي عربي.


الإسماء العربية كاملة

أبو يوسُف يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْكِنِدي

أبو بَكر مُحَمَّد بن يَحْيَى بن زَكَرِيّا الرَّازِيّ


محمد أبو نصر الفارابي

أبو عَلْي الحُسَيْنَ بن عَبد الله بن الحسَنَ بن عَلْي بن سِينَا البَلْخيّ

أَبْو حَامِدْ مُحَمّد الغَزّالِي الطُوسِيْ النَيْسَابُوْرِيْ


أَبُو بَكْرٍ مُحمّد بن يحيىٰ بن الصَائِغْ بن بَاجَة التجيبي

أبو الْوَلِيد مُحَمَّد بن أَحُمِّد بن مُحَمَّد بن أَحُمِّد بن أَحُمِّد بن رُشْد

أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي

عَبد الرَّحمن بن مُحَمَّد ابن خَلْدُون أبو زَيْد وَلْي الدِّين الْحَضْرَمِيّ الإَشبيلي


الإسماء كما وردت في المعجم

Alkindus, Kindi, al-.

Rhazes, Razi, al-. Abu Bakr.


Alpharabius, Farabi, al-. Abunaser.

Avicenna, Ibn Sina.

Ghazali, al-. Abu Hamid.


Avempace, Ibn Bajja, Abu Bakr.

Averroes, Ibn Rushd.

Ibn Tufayl, Abu Bakr


Ibn Khaldun, Abdurrahman


ثانيا: فلاسفة عرب "غير مسلمين" أوردوا كمدخل-

ترجمة مختصرة لتعريف معجم كمبريدج

(675م - 750م). لاهوتي يوناني وطبيب الكنيسة الشرقية.

(882م - 942م). معجمي ومفسر وكاتب ديني وفيلسوف يهودي.

(1020م - 1057م). شاعر وفيلسوف يهودي اسباني.

(1075م - 1141م). شاعر وفيلسوف يهودي اسباني.

(1110م - 1180م). فلكي وفيلسوف ومؤرخ يهودي اسباني.

(1135م - 1204م). طبيب وقاض وفيلسوف يهودي اسباني المولد.


الإسماء العربية كاملة

القديس يوحنا الدمشقي (دفاق الذهب). يوحنا منصور بن سرجون


سعيد بن يوسف أبو يعقوب الفيومي، سَعْدِيا غاؤون

أبي أيوب سليمان بن يحيي بن جبيرول

الحاخام أبو الحسن يهوذا بن شموئيل اللاوي الأندلسي، أو يهوذا هاليفي

إبراهيم بن داود

أَبُو عَمْرَان مُوسَى بْن مَيْمُون بْن عُبَيْد ٱللّٰه ٱلْقُرْطُبِيّ


الإسماء كما وردت في المعجم

John of Damascus, St. John Damascene. Chrysorrhoas (Golden Speaker)

Saadiah Gaon

Avicebron. Ibn Gabirol, Solomon.

HaLevi Judah

Rabad. Ibn Daud, Abraham.

Maimonides. Moses ben Maimon.

ثالثا: فلاسفة عرب وردوا كإشارة-

الإسماء العربية كاملة

أبو زيد البَلْخِي

متى بن يونس القنائي

يحيى بن عدي

أبو الحسن محمد بن أبي ذر يوسف العامري النيسابوري

أبو سليمان السجستاني

عيسى ابن إسحاق ابن زُرعة

الحسن بن سوار

أبو الفرج بن الطيب

شمس الأئمة السرخسي

شهاب الدين السَّهروردي الحلبيُّ المقتولُ

فخر الدين الرازي

أبو الحجاج يوسف بن محمد بن طملوس الشقري

عبد اللطيف بن يوسف البغدادي

محيي الدين بن عربي

نصير الدين الطوسي

قطب الدين الرازي

أسعد أفندي الينيوي

المير داماد

الملا صدرا الشيرازي


الإسماء كما وردت في المعجم

al-Balkhi, Abu-Zayd

Ibn Yanus, Matta

Ibn Adi, Yahya

al-Amiri

as-Sijistani, Abu-Sulayman

Ibn-Zura, Isa

Ibn-Suwar, al-Hasan

Ibn at-Tayyib, Abu-l-Faraj

as-Sarakhsi

Suhrawardi of Aleppo

ar-Razi, Fakhr-ad-Din

Ibn Tumlas

al-Baghdadi, Abd-al-Latif

Ibn Arabi

at-Tusi, Nasir-ad-Din

ar-Razi, Qutb-ad-Din

Esat, Yanyali

Mir Damad

Mulla Fadra


رابعا: ملاحظات على ما أورده معجم كمبريدج للفلسفة-

أ. أدرج معجم كامبريدج فلاسفة أهل الأندلس من المسلمين واليهود كفلاسفة إسبان. والفلاسفة العهد العباسي كفلاسفة المسلمين.

ب. تم ادراج عددا من غير العرب – أو المنتمين للحضارة العربية/الإسلامية – كفلاسفة عرب (مثل الينيوي البلقاني و المير داماد). ذلك بالإضافة لما يبدو خطأ في إسم الملا صدرا يدل على أن الاختلاف في التصنيف اقرب إلى الخطأ من العبث في التاريخ.

ت. لم يرد مدخلا أو إشارة لأي فيلسوف عربي معاصر.

ملاحظات ختامية-

أ‌. في الختام يظل سؤال من هو العربي (أو أي هوية أخرى عرقية أو جندرية أو دينية) مطروحا:

  • من العرب من هاجر ليستقر أول الفتوحات الإسلامية في بلاد فارس وما بعدها. ومن العرب من كان في ما فتحه المسلمون قبل الفتوحات. أذكر من الأول أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي الرازي، الطبرستاني المولد، القرشي، التيمي البكري النسب. وأبو الحسن محمد ابن يوسف العامري النيسابوري. ولا داعي لذكر أمثلة على الثاني لكثرتها. وليس غريبا أن يتعلم هؤلاء اللغة السائدة في مناطق نشأتهم، وأن يتزوجوا من غير العرب, في المقابل كل العصور حوت من تَعرَّب من غير العرب.

  • ليس هناك ما يمنع تصنيف بعض الفلاسفة اليهود الذين ولدوا وعاشوا على أرض عربية حينئذ وتأثروا بالفلاسفة العرب بل تتلمذوا على أيديهم واتبعوا مذاهبهم الفلسفية وانتجوا باللغة العربية كعربا بالإضافة لكونهم يهودا. وليس إدعاء أهل إيران أن الرازي فارسي (لأنه ولد في الري قرب طهران، إيران اليوم والخلافة العباسية في حينه) يمنع أنه عربي أيضا كتب بلغتها وانتمى إلى حضارتها كما كان حال فلاسفة العصر الإسلامي.

  • خلاصة الرأي أن لنا حق الإدعاء والإفتخار في كل من عاش وأنتج في الحضارة العربية والإسلامية و كل ذا أصول عربية دفعه طموحه أو ظروفه للاغتراب.


ب. إن جميع مدخلات معجم كامبريدج عن الفلاسفة العرب المذكورة أعلاه حررت من غير العرب باستثناء مدخل ابن رشد الذي كتب من د. فؤاد بن أحمد بالاشتراك مع روبرت بنساو. علينا أن نكون أكثر فاعلية في إنتاج تاريخنا بدلا من انتظار أن يخطه أخرين.


ج. دون الإقلال من المجهود المبذول وأهمية الإنتاج الفلسفي المعاصر في الحراك الفكري المحلي، عدم ورود مدخلا أو إشارة لأي فيلسوف عربي معاصر مما ذكروا أعلاه في الموسوعات والمعاجم الفلسفية الدولية مؤشرا على عدم أهمية المشاريع الفلسفية العربية المعاصرة للفكر الإنساني. على الجيل القادم من الفلاسفة خيار الاستمرار في النهج السائد، أي الإنشغال بنقد التاريخ والرد على هذا النقد، أو القطيعة المعرفية معه ومحاولة اللحاق بالركب الإنساني بإنتاج ما يفيده ويفيدنا. على كل أكاديمي ومشتغل بالفلسفة مسؤولية التوعية مع ترك حرية الخيار لباحثين المسقبل.


د. من الشبهات الموجهة للفلسفة العربية/الإسلامية (كما لكل العلوم) أنها برزت في مرحلة قصيرة وشبه انقرضت بعد القرن الثاني عشر. واختلف إعزاء ذلك إلى أسباب ذلك أهمها انتصار النقل على العقل، أو تفكك الأمة وخروجها عن السبب الجامع لها. دون الخوض في نقاش غير مجدي، من المهم الإشارة إلى أنه، في الفلسفة على الأقل، لا يمكن القول بأن مستوى الانتاج العربي/الإسلامي وصل في أي وقت لما أنتجه الإغريق قبلهم أو الحضارة الغربية في أي عصر بعدهم. علينا أن نعترف أن تاريخ انتاجنا الفلسفي كان دائما متواضعا ومبنيا على جهود فردية لا ريب في إبداعها. قد يكون أهم سبب لذلك عدم نشوء مؤسسات فلسفية كـ"الأكاديمية" وغيرها في أي مرحلة من مراحل الحضارات العربية والإسلامية . حتى في العصر الحديث، لا زالت جهود المؤسسات المختصة للقيام بالمهام المنشودة كاحتضانها تطوير فكر رائد أو مذاهب جديدة أو ضبطها لأي طرح غير ملتزم بالأعراف الأكاديمية متواضعة. إن الوعي بما ذكر قد يكون خطوة مهمة في طريق تجاوزه إلى مستقبل أفضل للانتاج الفلسفي العربي.